يقول الله تعالى وهو أصدق القائلين ((وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ )) .
الحياة مع العلم نور وضياء ، ومع الجهل تعاسة وشقاء ، والعلم بدون عمل ضياع وعناء ، والعمل الخالي ..الخالي من الإخلاص نفاق ورياء ، والإخلاص هو ابتغاء مرضاة الله تعالى في الأعمال ، والصدق في جميع الأقوال والأفعال ، والإخلاص هو التجرد من بواعث الدنيا وشواغلها ، والاتجاه بالأعمال كلها إلى الله عز وجل .
الإخلاص هو طهارة النفس وصفاء الضمير ونقاء السريرة ، وسر النجاح وسبب من أسباب الفلاح ووسيلة عظمى يتقرب بها العبد على مولاه .
الإخلاص نور يُشرق في القلب فيفيض على جوانبه أعمالاً وصفات حميدة ، وأخلاقاً كريمة فاضلة .
الإخلاص أن تخلص النية لله ولحق ، فلا تبتغي غير رضوانه ، ولا يكون رائدك غير نصرة الحق أينما كان ، فلا يتحكم فيك هوى ولا تستعبدك شهوة ولا يستذلك سلطان ، فتبلغ بذلك أقصى درجات الإخلاص وتكون مؤمناً حقاً ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به )) .
وإذا كان الإخلاص هو خلاص للنفس من تحكمات الشهوة والهوى حتى يكون الله للإنسان عينه التي يبصر بها وأذنه التي يسمع بها ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي عليها ، فإنه في الوقت نفسه هو الطريق المستقيم والسبيل القويم الذي يصل الإنسان بربه ويبلغ به أولى درجات الإحسان كما جاء ذلك على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال : (( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك )) .
لقد كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يفضلون غيرهم من المسلمين بقوة إيمانهم وصدق يقينهم ، وقوة الإيمان تثمر قوة الإخلاص ، يقول الله تعالى في وصف أهل الإيمان المخلصين الذين يعتز بهم الحق ويعتز بهم الإسلام :
((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )) .
ولقد بلغ أبو بكر بإخلاصه درجة لم يبلغها أحد من المسلمين ، حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في شأنه : ” لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان الناس لرجح إيمان أبي بكر ” .
فقد استطاع رضي الله عنه بإخلاصه هذا أن يحارب الجزيرة العربية كلها حين ارتد بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم .
إن الإسلام هو دين القلوب الطاهرة والنوايا الصادقة وليس دين المظاهر الكاذبة والعناوين البراقة فإذا هم المسلم بعمل أو شرع في عبادة فليسأل نفسه أولاً عن الباعث له على ذلك العمل وعن قصده ونيته من هذه العبادة ، فإن العمل الواحد يختلف باختلاف الأسباب والدوافع ، فقد يكون يخراً وقد يكون شراً ، فالعلم خير إن عملت به وعلمته الجهلاء ، وهو شر إن خالفته وتعاظمت به على العامة من الناس .
والعبادة خير إن كانت خالصة لوجه الله تعالى ، وهو شر إن كانت للتضليل والمباهاه .
والصلاة خير إن صحبها خشوع القلب ونهت عن الفحشاء والمنكر ، قال تعالى : ((فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ )) .
والصدقة خير إن أخفيتها ونويت بها وجه الله وأعطيتها لمستحقها ، وهي شر إن قصدت بها التظاهر والمفاخرة .
إن ألوف المسافرين يقطعون المسافة بين مكة والمدينة لأغراض كثيرة ، ولكن نية الانتصار للدين ورفع راية الإسلام ، هي التي تفرق بين المهاجر والمسافر ، فمن ترك مكة فراراً بدينه من الفتن و إقامة لصرح الدولة الجديدة في بلدها الجديد فهو المهاجر وأما من رحل لغرض آخر فهو المسافر .