الإسلام هو دين الإنسانية الخالد شرعه الله تعالى لخير الإنسانية ، وإسعاد البشرية جميعاً في حياتهم الدنيوية والأخروية ، وهو سبحانه وتعالى أعلم بما يصلح الناس في معاشهم ومعادهم .
فهو يقيم العلائق بين الناس جميعاً على أساس من التراحم والتعاطف ويجعل المحبة بين الناس هي الرباط الوثيق الذي يربط البشرية جمعاء .
لأنهم ينتمون إلى أصل واحد ، وهو التراب الذي خلقوا منه وينتسبون إلى أب واحد هو آدم عليه السلام ، يقول الله تعالى :
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )) . ولهذا فلا ينبغي لإنسان أن يتعاظم على إنسان أو يتعالى عليه ويحتقره ظناً منه أنه أعظم منه شأناً أو أكبر منزلة أو أقوى جاهاً وسلطاناً فالناس جميعاً بنوا أب واحد كلهم لآدم وآدم من تراب ، وما دام الأصل واحداً فيجب أن يسود بين الناس التواضع وأن يخفض كل منهم جناحه للآخر حتى يسود بينهم المحبة والألفة ، فلا يحتقر إنسان إنساناً ولا يتعالى أحد على أحد .
فالتواضع في الإنسان صفة عظيمة وخلق محمود حَثََََّ عليه الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه فقال : ” ما زاد الله عبداً يعفو إلا عزاً وما تواضع أحد لله إلا رفعه “
فالتواضع هو التذلل والانكسار والخضوع لله والاعتراف بأنه تعالى مصدر كل النعم ظاهرها وباطنها وصغيرها وكبيرها .
والتواضع هو قبول الحق من أهله مهما كانت منزلتهم ومهما صغر شأنهم ، وقد سئل الفضيل رضي الله تعالى عنه عن التواضع فقال : هو الخضوع للحق والانقياد له وقبوله ممن قاله . وقال ابن عطاء الله : التواضع هو قبول الحق ممن قاله . وينبغي للإنسان أن يعتقد في نفسه أنه أقل من أي إنسان آخر .
حتى لا يدخل في نفسه مثقال ذرة من كبر ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر “.
فمن تواضع لله رفع الله قدره في القلوب ، وطيب ذكره في الأفواه ، ورفع درجته في الجنة .
هذا هو التواضع لله ، أما التواضع لأهل الدنيا من ذوي الجاه والسلطان ، وأهل الظلم والطغيان ، فذلك هو الذل الذي لا عز معه ، والخيبة التي لا رفعة بعدها لأن المؤمن في نفسه عزيز كريم لا ينبغي أن يكون ذليلاً إلا لمولاه ، الذي خلقه فسواه .
يقول المسيح عليه السلام :
” طوبى للمتواضعين في الدنيا هم أصحاب المنابر يوم القيامة ، طوبى للمصلحين بين الناس في الدنيا هم الذين يرثون الفردوس يوم القيامة ، طوبى للمطهرة قلوبهم في الدنيا هم الذين ينظرون إلى الله يوم القيامة “
اللهم ارزقنا التواضع لجلالك والإخلاص لوجهك والرحمة لخلقك ، واهدنا لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئاتنا فإنه لا يصرف عنا شيئاً إلا أنت يا رب العالمين .