روى أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : “ ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان ، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار ” رواه البخاري ومسلم .
إذا نظرنا إلى هذا الحديث النبوي الشريف ، وجدنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يدعو أمته إلى اتباع الله ورسوله ، وتقديم طاعتهما على هوى النفس وشهواتها ، وأن نحافظ على دينه وشريعته ، وأن نقف عند حدود أوامره ونواهيه ((وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)) . وهذا الحديث الشريف يشمل خصال ، كل منها تسمو بصاحبها وترتفع به إلى درجة الملائكة ، وأول خصلة من خصال الإيمان في هذا الحديث الشريف ، حب الله ورسوله .
إن حب الله ورسوله باب عظيم من أبواب الإيمان الحق ، وأساس محبة الله ورسوله ، أن يعتقد المؤمن أن الكمال الذاتي لله وحده ، وأن ينسب إليه النعم كلها ظاهرها وباطنها ، جليلها ودقيقها ، وحينئذ يقبل قلبه عليه فليتزم قوانينه ويتمنى رضوانه ، ويؤثر طاعته على محبته لوالده وماله ونفسه على حب الله ويتصل بالملأ الأعلى فيصدر أعمالاً طيبة ، وأفعالاً خيره ولا يبالي بما حوله من زينة الدنيا وزخرفها ، وسواء أرضي الناس عليه أم سخطوا ، فما دام قد أرضى الله عز وجل فلا يهمه بعد ذلك مخلوق .
إن حب الله عز وجل له وسائل وأسباب بها ينطبع هذا الحب في قلب الإنسان ومن أسبابه ووسائله : أن يعترف الإنسان بلسانه وقلبه أن الله عز وجل هو مصدر كل النعم ، لأن النفس الإنسانية جبلت على حب من أحسن إليها من الناس ، لو بعض الإحسان .
فما بالك بهذه النفس البشرية لو اعترفت بإحسان الله تعالى إليها ، وهو الذي خلقها فسواها ، وقدر لها الخير فهداها ، وسخر لها الكون كله .
نطقت بذلك آيات القرآن الكريم واعترف بذلك العقل السليم ، وآمنت به الفطر النقية الصافية قال تعالى : ((وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَة فَمِنْ اللَّه ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمْ الضُّرّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ)) .
إن الإنسان في هذه الحياة يجب عليه أن يأخذ عبرة مما يمر عليه كل يوم من عبر وعظات ليحس بنعم الله عليه فيداوم على شكرها والثناء على منعمها .
يروى أن أعرابياً نزل ببعض الجبال ، فرأى شيخاً أعمى _ قد أصابه المرض من كل جانب _ حتى أضناه ، والدود يتناثر منه وهو يقول : الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيراً من خلقه ، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً .
فقال الأعرابي : فتقدمت إليه ، وقلت له : يا أخي ، وأي شيء عافاك منه والله ما أجد إلا جميع البلايا محيطة بك ، فرفع رأسه وقال : إليك عني ، ألم يبق لي لساناً يشكره ، وقلباً يوحده ويذكره .
وهذا هو أسا محبة الله عز وجل ، أما أساس محبة الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه ، فهو أن نشهد بقلوبنا وألسنتنا بأنه النبي الكريم الذي جاهد وصابر ، وأرشد وبين ، وبلغ عن الله ما شرعه لعباده ، فهو ينبوع الهدى وإمام التقى ، ولولاه لهلكنا وضللنا ، فيجب علينا أن نحبه وأن نتفانى في حبه ، ومحبته لأن طاعة الرسول من طاعة الله : ((مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ )) .